الامتناع عن الاستحمام أثناء الحيض، ليس له أي مبرر طبي على الاطلاق، بل بالعكس أغلب الأطباء يشجعون عليه لأن عامل النظافة مهم جدا في هذه الفترة لتفادي الالتهابات الناتجة عن البكتيريا المرافقة للدم، والاعتقاد بأن الماء يضر بصحة المرأة الحائض، اعتقاد خاطئ إذا عرفنا أن إحدى أشهر طرق الولادة في الغرب هي الولادة داخل بانيو الحمام. المرأة الحائض ليست مجروحة والدم الذي ينزل منها ليس نزيفا. دعونا نتذكر ذلك.
سببان على الأقل دفعاني إلى الكتابة عن هذا الموضوع: الأول نقاش على منتدى للفتيات المغربيات من الجيل الثاني والثالث، المولودات في هولندا، والثاني سؤال قديم طرحه عليّ صديق حول الموضوع نفسه.
في المنتدى تسأل إحدى العضوات عن مضار الاغتسال أثناء الحيض فتنهال عليها ردود غريبة تتراوح بين التحريم وبين الادعاء بأن الاغتسال أثناء فترة الحيض يؤدي إلى العقم!
أما سؤال صديقي فقد جاء على شكل شكوى وتذمر من رائحة زوجته السابقة التي تنقطع عن الاستحمام، لفترة قد تصل إلى أسبوع مدعية بأن الاستحمام أثناء الحيض يضر بصحة المرأة النفسية والجسدية ويخلف مشاكل وآلاما في الرأس والحوض والعضلات، وأماكن أخرى!
ومنذ فترة قريبة احتجّت إحدى صديقاتي على اغتسالي بشكل يومي أثناء فترة الحيض قائلة إن الأمر في غاية الخطورة “لأن الجرح يكون مفتوحا أثناء الحيض”، وهو ما لم يعد يجدي معه الصمت.
الحيض هو مرحلة من مراحل دورة التبويض التي تعرفها المرأة، وهو ناتج عن سقوط الطبقة السميكة التي تغلف جدار الرحم من الداخل قبل فترة التبويض استعدادا لاستقبال البويضة بعد تلقيحها، فإذا مرت فترة التبويض دون تلقيح (حمل) سقط هذا الغلاف الدموي ونظف الرحم نفسه بنفسه، إلى أن تحين فترة تبويض جديدة فيقوم بتغليف جداره مرة أخرى، وهكذا دواليك.. الدم الذي ينزل من المرأة ليس ناتجا عن جرح، كما هو الاعتقاد، وإنما عن عملية تنظيف طبيعية يقوم بها الرحم لجداره الداخلي.
أغلب النساء في البعض من الثقافات (بدءا من نفسي في مرحلة ما من حياتي)، يعتقدن أن الاغتسال أثناء الحيض مضر بالصحة، بناء على نصائح متوارثة من الأمهات والجدات اللاتي تميزت حقبتهن بوجود تابوهات وطقوس وأساطير، وحكايات وخرافات لا حصر لها حول الحيض، والدم، وسلوك الحائض.
بعض هذا الموروث قادم من أديان قديمة مثل اليهودية والبوذية والإسلام، والمسيحية التي أجمعت كلها تقريبا على نجاسة المرأة الحائض حتى تغتسل، وأحاطت فترة الحيض بكمية من الطقوس والممارسات تطورت بتطور المخيال الشعبي، في ظل وجود تكتم على الحيض، واعتباره من الموضوعات المسكوت عنها، لتصل إلى بعض السلوكيات غير المقبولة طبيا في عصرنا الحالي.
ورغم وجود الكثير من المغالطات حول حيض المرأة تستوجب التصحيح، إلا أن عامل النظافة يبقى أهمها، إذ لا يجوز الاستمرار في هذا السلوك المضر بالمرأة وبعلاقتها بزوجها والمحيطين بها والمكرّس لفكرة النجاسة المنسوبة إليها على مرّ العصور، حتى إن بعض الثقافات تحرم عليها الطبخ أثناء هذه الفترة، وهو ما يبدو منطقيا في ظل امتناعها عن الاستحمام لأيام طويلة. تغيير هذه النظرة الدونية وغير المنصفة والمحقرة للمرأة الحائض بيدها وحدها، وعليها أن تبدأ من نظافتها.
كاتبة تونسية مقيمة في هولندا